وقفة مع قوله تعالى: ( وأوفوا بعهد الله )
وقفة مع قوله تعالى: ( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون )
هذه الآية الكريمة فيها الأمر الصريح بالوفاء بالعهد، وتأكيد العهود والمواثيق التي تجري بين الناس، وتهديد وتقريع لمن يخالف عهده، ولا يفي بوعده.
قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسيره - (17 / 281)
يقول تعالى ذكره: وأوفوا بميثاق الله إذا واثقتموه، وعقده إذا عاقدتموه، فأوجبتم به على أنفسكم حقا لمن عاقدتموه به وواثقتموه عليه ( وَلا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ) يقول: ولا تخالفوا الأمر الذي تعاقدتم فيه الأيمان، يعني بعد ما شددتم الأيمان على أنفسكم، فتحنثوا في أيمانكم وتكذبوا فيها وتنقضوها بعد إبرامها.
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره (2 / 710)
هذا مما يأمر الله تعالى به, وهو الوفاء بالعهود والمواثيق والمحافظة على الأيمان المؤكدة.
وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان - (2 / 438)
قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ}، أمر جل وعلا في هذه الآية الكريمة عباده أن يوفوا بعهد الله إذا عاهدوا، وظاهر الآية أنه شامل لجميع العهود فيما بين العبد وربه، وفيما بينه وبين الناس، وكرر هذا في مواضع أُخر؛ كقوله في "الأنعام": {وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ...} الآية [6/152]، وقوله في "الإسراء": {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [17/34]، وقد قدمنا هذا "في الأنعام".
وبين في مواضع أخر: أن من نقض العهد إنما يضر بذلك نفسه، وأن من أوفى به يؤتيه الله الأجر العظيم على ذلك؛ وذلك في قوله: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [48/10]، وبين في مواضع آخر: أن نقض الميثاق يستوجب اللعن؛ وذلك في قوله: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ...} الآية [5/13].
وبعد أقوال العلماء الكبار في هذه الآية يتبين فظاعة وجرم من ينقض عهده، ويغدر في عقده، وأن هذه الصفة القبيحة ليست من صفات عباد الله المؤمنين.