خلق الله الإنسان لأمر الخلافة، وقبل التكليف فضله الباري على سائر الخلق تفضيلا وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا . وميزه بخلقة حسنة وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ، وأفرده بتقويم أحسن ولقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم ، وصورة سوية الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك .
وحتى تتأكد وتترسخ، ولا يحدث التنازع حول هذه الأفضلية، أسجد له خير خلقه وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا . وحتى يستوعب الفهم السليم لشرائع الله لم يهمله، فزوده بالعقل العالم علم الانسان ما لم يعلم . ولحاجة في التذكير ظل يتعهد رشده ببعث الأنبياء، وإرسال الرسل، وتنزيل الكتب.
وقد برهن الإنسان على حسن اتباعه لمنهج الله في الأرض، فحيا سعيدا. وفي أحيان من الدرهر عاشت اطراف منه انحرافا، فسلك تصرفات الظلوم الجهول.
ومن بين نعم الله المعينة على الرسالة تهييئ الله لأسباب وسنن، ضمنت استمرارية النوع البشري بالتوالد، يخلف بعضه بعضا. وبهذه السنة الطيبة جعل مجتمعاته تتألف من فئات عمرية وأجيال وموجات وحلقات متمايزة، ولكن متآلفة، يرث ويسلم بعضه المشعل الحضاري لبعض.
وقصد إعداد الشباب لحمل الرسالة، تتم تنشئة المجتمع ببرامج الشباب، تضعها المؤسسات الرسمية والحزبية والأهلية والأسرية. ولأهمية ما تتصف به هذه الفئة من الخصائص، ظلت هدفا، تتنافس على احتوائه مختلف القوى لإبلاغ رسالتها.
فالشباب - بفضل خصلة محبة الانتماء والتعاون- هم أول من يؤسس الأندية الثقافية والفرق الرياضية، والحركات الاجتماعية الرافضة، فيظل المجتمع على أهبة الانتفاضة، ما دام حيا بالشباب... بل إن أغلب الأحزاب السياسية والجمعيات والهيئات النقابية والحركات الإسلامية الوازنة... تحرص على توفير شبيبة أو منظمة تساندها، وتعول عليها في الإنفتاح على الشباب.
والشباب بحيويته، يسأم الركون والجمود، وينزع إلى المبادرة والابتكار؛ فعادة ما تنجز أهم الابتكارات والاختراعات العلمية والاليكترونية بأفكار الشباب.
كما أن الشباب يختزن مقومات الشجاعة والمغامرة، فقد أثبتت الدراسات أن ركاب البحر والمخاطرين بمعاندة عبابه هم شباب. وأغلب المنخرطين في صفوف المقاومات السخية بالروح والدم، هم شباب في أوج التوهج الوجداني. لذلك فإن اغلب القفزات التاريخية والتطورات الحضارية ارتبطت بفعاليات الشباب.
ويرتبط اندلاع الانتفاضة الفلسطينية ب"أطفال الحجارة"، يقودون أطول مقاومة، للصهيونية المتعصبة، تعززت بانتظام الشباب الرافض في إطار منظمات. ويعتبر تأسيس حركة المقاومة الاسلامية حماس، أبرز إطار احتضن الشباب الفلسطيني الباسل، وزاده صمودا في مواجهة أبشع احتلال منذ منتصف دجنبر 1987.
ونتذكر - جميعا - أن الثورة الفرنسية "الماركوزية" انبثقت شرارتها من وسط الحركة الطلابية ماي سنة 1968، صمدت شهرا بكامله. ولأثرها الايجابي البليغ في المجتمع والحركات الطلابية العالمية، ومفاجأة المفكرين بما أنجزه الشباب، أصبح يؤرخ بالثورة لدى الفرنسيين.
ومنظمة ايتا الباسكية، ليست سوى مجرد حركة شبابية يسارية، انتفضت سنة 1958، وعلى إثر شعبيتها تاسست سنة 1960 المنظمة التي لا زالت حية، تناضل من أجل استقلال إقليم الباسك، خالقة اكبر القضايا العالمية.
ويعود فضل ابتكار تنظيم الحركة الاسلامية الى فضيلة الشيخ حسن البنا، بقرية اسيوط المصرية ترعرع شاب لم يكن عمره يتجاوز العشرين، ظلت افكاره منذ 1928 تدرس، وتتداول، وتتبنى، خالقة اهم المعادلات السياسية الدولية. وأصبح التنظيم الاسلامي بمعظم الدول الافريقية والاوربية والاسيوية فاعلا اساسيا في الحياة السايسية.
ولعل غزارة الأحداث التاريخية العظمى التي تزعمها الطلاب عسيرة العد والحصر؛ فالشباب لا تقف دونه عوائق، ولا يمنعه مانع، بل تسهل عليه المبادرات، ويستصغر الصعوبات. وعموما كل شيئ يهون على همة الشباب، كما قال الشاعر:
كل شيء على الشباب يهون *** هكـذا همة الشـباب تكـون
تبرز هذه الخصائص جانبا كبيرا من طاقة وحماس الشباب. غير أن عدة عوامل وتحولات جعلت بعض مكونات المجتمع تعجز عن التفاعل الإيجابي معها، فأصبحت – برد فعلها - مصدر قلق وشكاوى. ومن جهة أخرى تعتبر بعض التوجهات الشباب محط أطماع، محاولة الاستفادة من حماسه، لكن وفق رؤى سلبية؛ إذ مازال قطاع الشباب يعاني من سوء اهتمام، يتجلى في سيادة ثلاث رؤى سلبية.
فالشباب يعاني من الرؤية الاقصائية المنتهجة داخل الأسرة والأحزاب والجمعيات... مجترة أفكارا تنقص من قدرات الشباب، ولا تضع فيهم الثقة. وكان من نتائج ذلك نشوب "صراع أجيال" مختلق، لا يعترف بعضها ببعض.
وفي حالة قبول إشراك الشباب، يتم ذلك في إطار الرؤية الاستغلالية؛ تحشره في إنجاز توثرات، ومشاكل... مستغلة جهله وقصور نظره وقلة زاده العلمي لبلوغ مآرب خبيثة.
والشباب - أيضا – يقع في فخاخ الرؤية التميعية، تعتبره محط مشاريع تغريب مستوردة، محاولة بناء شخصيته على غير أساس قيمي. ولذلك فهي تجتهد في تخصيصه بحملات إعلامية ماجنة على مستوى شبكة الأنترنيت والجرائد والمجلات والتلفزة... لا تأل جهدا في أن تيسر له أنشطة الرقص، وتقرب له المخدرات، وتزين له الاختلاط، ولا تخفي نوايا استعماله بضاعة في أسواق الموضة والإستهلاك والإفساد والانحلال.
وتكمن خطورة سلوك هذه التصورات في مغبة إخماد فوران الشباب، وإهدار قواه، وتقزيم طموحاته في الاتجاه به نحو التطبيع مع الكسل، وتدفعه إلى مواقف فقدان الأمل، وتفضيل الاتكالية. وقد تأثر شباب العالم الاسلامي بالاستيلاب، وعانت الأسرة بالمجتمعات المسلمة من واردات الحضارة اللادينية، وبدأت تزحف على منظومتها في تربية الأبناء.
كل ذلك جعل قضية الشباب أولوية في معركة البناء وحملات التوعية والتصحيح وتجديد الفهم. ولردع تلك المحاولات التدميرية المهددة لشباب العالم الاسلامي، يتطلب الاهتمام بحركة الشباب.
وحتى لا تتهم هاته المبادرات الاصلاحية بالانطلاق من ردود أفعال، فإن أول خطواتها ينبغي أن تتأسس وتنطلق من قراءة قرآنية. وتتوخى هذه المحاولة بناء معرفة أصيلة مؤسسة على القرآن، لكنها مفتوحة على الواقع، مستفيدة من التراكم المعرفي، قصد النهوض بالشباب.
ومن خلال مواظبة الشباب على التلاوة، سيجد القرآن الكريم يدعوه إلى تأمل آيات تعرفه بشباب القرآن؛ لذلك ندب القرآن الكريم الشباب القارئ - في العديد من الآيات الكريمة- إلى تأمل آيات من قبيل:
والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا
قَالَ يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ
فجاءته إحداهما تمشي على استحياء
لقد كان في يوسف واخوته آيات للسائلين
واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون
وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين
قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه
واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا
أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا
وإذ قال لقمان لابنه وهويعظه
ونادى نوح ابنه وكان في معزل
يايحيى خذ الكتاب بقوة
ولعل تأمل آيات شباب القرآن - بعمق - يبين أن أهمية الشباب تعين على تلخيص مميزات البديل القرآني لرؤية صلاح وإصلاح الشباب في أبعاد ثلاثة:
-فهي ترد الاعتبار لانسانيته الكاملة وغاية خلقه،
-وتربيه ليكون صالحا لنفسه، ويستفيد من طاقاته،
-وتدمجه في عملية إصلاح المجتمع،
وبذلك تجعل الهدايات الربانية الثلاث الشباب خير مستفيد من الأسوة الحسنة لشباب القرآن في صلاحه وإصلاحه .
ــــــــــــــــــــــــــ
- الإسراء: الآية 70
- غافر: الآية 64
- التين: الآية 4
- الانفطار: الآية 7- 8
- البقرة: الآية 34
- القلم: الآية 4
- الأنبياء: الآية 91
- هود: الآية 78-79
- القصص: الآية 25
- يوسف: الآية 7
- الشعراء: الآية 69- 70
- آل عمران: الآية 42
- الممتحنة: الآية 6
- مريم: الآية 40
- الكهف: الآية 9
- لقمان: الآية 12
- هود: الآية 42
- مريم: الآية 12