إن من حكمة الله الربانية أن جعل قلوب عباده المؤمنين تحس وتتذوق وتشعر بثمرات الإيمان لتندفع نحو مرضاته والتوكل عليه سبحانه وتعالى.
فإن شجرة الإيمان إذا ثبتت وقويت أصولها وتفرعت فروعها، وزهت أغصانها، وأينعت أفنانها عادت على صاحبها وعلى غيره بكل خير عاجل وآجل في الدنيا والآخرة.
وثمار الإيمان وثمراته وفوائده كثير قد بينها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم.
فمن أعظم هذه الفوائد والثمار
أولاً :الاغتباط بولاية الله الخاصة التي هي أعظم ما تنافس فيه المتنافسون،
وتسابق فيه المتسابقون، وأعظم ما حصل عليه المؤمنون
قال تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [يونس:62]
ثم وصفهم بقوله: (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس:63]
فكل مؤمن تقي، فهو لله ولي ولاية خاصة، من ثمراتها ما قاله الله عنه:
(اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور...ِ)[البقرة: من الآية257]
أي : يخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان،
ومن ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومن ظلمات المعاصي إلى نور الطاعة،
ومن ظلمات الغفلة إلى نور اليقظة والذكر،
وحاصل ذلك : أنه يخرجهم من ظلمات الشرور المتنوعة إلى ما يرفعها
من أنوار الخير العاجل والآجل.
وإنما حازوا هذا العطاء الجزيل:
بإيمانهم الصحيح، وتحقيقهم هذا الإيمان بالتقوى فإن التقوى من تمام الإيمان.
ثانياً :الفوز برضى الله ودار كرامته، قال تعالى:
(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:71-72]
فنالوا رضا ربهم ورحمته، والفوز بهذه المساكن الطيبة:
بإيمانهم الذي كمّلوا به أنفسهم، وكمّلوا غيرهم بقيامهم بطاعة الله وطاعة رسوله،
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فاستولوا على أجل الوسائل،
وأفضل الغايات وذلك فضل الله.
ثالثا :ومن ثمرات الإيمان : أن الله يدفع عن المؤمنين جميع المكاره،
وينجّيهم من الشدائد كما قال تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا...) [الحج: من الآية38]
أي: يدفع عنهم كل مكروه، يدفع عنهم شر شياطين الأنس وشياطين الجن،
ويدفع عنهم الأعداء، ويدفع عنهم المكاره قبل نزولها، ويرفعها أو يخففها بعد نزولها.
ولما ذكر تعالى ما وقع فيه يونس – عليه السلام – وأنه
(... فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)[الأنبياء: من الآية87]
قال فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء:88].
إذا وقعوا في الشدائد، كما نجّينا يونس قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"دعوة آخي يونس ما دعا بها مكروب إلا فرّج الله عنه كربته لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين". وقال تعالى ... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)[الطلاق: من الآية4].
فالمؤمن المتقي ييسر الله له أموره وييسره لليسرى، ويجنبه العسرى:
ويسهل عليه الصعاب ويجعل له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً،
ويرزقه من حيث لا يحتسب. وشواهد هذا كثيرة من الكتاب والسنة (1).
رابعاً: ومنها: أن الإيمان والعمل الصالح – الذي هو فرعه – ي
ثمر الحياة الطيبة في هذه الدار، وفى دار القرار قال تعالى:
(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97]
وذلك أنه من خصائص الإيمان، أنه يثمر طمأنينة القلب وراحته،
وقناعته بما رزق الله، وعدم تعلقه بغيره، وهذه هي الحياة الطيبة.
فإن أصل الحياة الطيبة:
راحة القلب وطمأنينته، وعدم تشويشه مما يتشوش منه الفاقد للإيمان الصحيح.
خامساً:ومنها: إن جميع الأعمال والأقوال
إنما تصح وتكمل بحسب ما يقوم بقلب صاحبها من الإيمان والإخلاص،
ولهذا يذكر الله هذا الشرط الذي هو أساس كل عمل،
مثل قوله فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ...) [الأنبياء: من الآية94]
أي لا يجحد سعيه ولا يضيع عمله، بل يُضاعف بحسب قوة إيمانه، وقال :
(وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) [الإسراء:19]
والسعي للآخرة: هو العمل بكل ما يقرب إليها، ويدني منها،
من الأعمال التي شرعها الله على لسان نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-
فإذا تأسست على الإيمان، وانبنت عليه:
كان السعي مشكوراً مقبولاً مضاعفاً، لا يضيع منه مثقال ذرة.
وأما إذا فقد العمل الإيمان، فلو استغرق العامل ليله ونهاره فإنه غير مقبول قال تعالى :
(وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً) [الفرقان:23]
وذلك: لأنها أسست على غير الإيمان بالله ورسوله- الذي روحه:
الإخلاص للمعبود، والمتابعة للرسول- قال تعالى:
(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً) (الكهف:103-105)
فهم لما فقدوا الإيمان، وأحلوا محله الكفر بالله وآياته –
حبطت أعمالهم
قال تعالى: (...لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ...)[الزمر: من الآية65]
(... وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الأنعام: من الآية88]
ولهذا كانت الردة عن الإيمان تحبط جميع الأعمال الصالحة،
كما أن الدخول في الإسلام والإيمان يجُبُّ ما قبله من السيئات وإن عظمت.
التوبة من الذنوب المنافية للإيمان، والقادحة فيه،
والمنقصة له – تجُبُّ ما قبلها (2)
سادساً:ومن ثمرات الإيمان أن صاحب الإيمان
يهديه الله إلى الصراط المستقيم، ويهديه إلى علم الحق،
وإلى العمل به وإلى تلقي المحاب بالشكر،
وتلقي المكاره والمصائب بالرضا والصبر قال تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ...)[يونس: من الآية9]
وقال تعالى:
(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ...)[التغابن: من الآية11].
ذكر الشوكانى -رحمه الله- في تفسيره
(هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم) (3)
ولو لم يكن من ثمرات الإيمان،
إلا أنه يسلي صاحبه عن المصائب والمكاره التي تعترض كل أحد في كل وقت،
ومصاحبة الإيمان واليقين أعظم مسل عنها،
ومهون لها وذلك: لقوة إيمانه وقوة توكله، ولقوة رجائه بثواب ربه، وطمعه في فضله؛
فحلاوة الأجر تخفف مرارة الصبر قال تعالى:
(... إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ...)[النساء: من الآية104]
سابعاً :ومن ثمرات الإيمان ولوازمه وفوائده وخيراته من الأعمال الصالحة ما ذكره الله بقوله:
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً) [مريم:96]
أي بسبب إيمانهم وأعمال الإيمان، يحبهم الله ويجعل لهم المحبة في قلوب المؤمنين.
ومن أحبه الله وأحبه المؤمنون من عباده حصلت له السعادة والفلاح والفوائد الكثيرة من محبة المؤمنين من الثناء والدعاء له حياً وميتاً،
والاقتداء به وحصول الإمامة في الدين (4).
وهذه أيضاً من أجل ثمرات الإيمان:
أن يجعل الله للمؤمنين الذين كمّلوا إيمانهم بالعلم والعمل
– لسان صدق – ويجعلهم ائمة يهتدون بأمره كما قال تعالى:
(وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة:24)
فبالصبر واليقين – اللذين هما رأس الإيمان وكماله – نالوا الإمامة في الدين (5)
منقول للفائدة