بسم الله الرحمن الرحيم
شرح أحاديث عمدة الأحكام
باب صلاة الجمعة
1= لَمَّا فَرَغ المصنِّف رحمه الله مِمَّا يتعلّق بِالصلوات الخمس ، وما يلتحق بها ، وما يتعلّق بها مِن أحكام ، عَقَد هذا الباب ، وهو في صلاة مخصوصة لا تتكرر في الأسبوع إلاَّ مرة واحدة .
2= الجمعة عِيد الأسبوع ، لقوله عليه الصلاة والسلام : إن هذا يومُ عيدٍ ، جعله الله للمسلمين ، فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل ، وإن كان طيبٌ فليَمَسَّ منه ، وعليكم بالسواك . رواه ابن ماجه بإسنادٍ حسن .
ولذا يحرمُ إفراده بالصّوم .
فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تخُصُّوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلاَّ أن يكون في صوم يصومه أحدكم . رواه مسلم
ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع ، لقوله عليه الصلاة والسلام : إن من أفضلِ أيامِكم يومَ الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه قُبِض وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضةٌ عليّ . قالوا: وكيف تُعرَضُ صلاتُنا عليك وقد أرَمْتَ ؟ فقال : إن الله عز وجل حَرّمَ على الأرض أن تأكلَ أجسادَ الأنبياء . رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه .
3= شُرِع الاجتماع في يوم الجمعة على صلاة الجمعة ، بالإضافة إلى ما تتضمنه خطبة الجمعة من تذكير الناس ، وتعليمهم أمور دِينهم ، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الْجُمَع والأعياد بالسُّوَر التي فيها تذكير بالمعاد ، ليكون المسلم مُتيقِّظاً مُستعدّاً لما أمامه .
4= الجمعة ضُبِطَتْ بـ :
الفتح : الْجُمَعَة ، كَهُمَزة .
والضم : الْجُمُعَة .
وبالسكون : الْجُمْعَة .
ذكرها الإمام النووي في المجموع . وقال : والمشهور الضم ، وبِه قُرئ في السَّبْع . اهـ .
5= وسُمِّيت الجمعة جُمعة لاجْتِماع الناس فيها .
6= على مَن تَجِب الجمعة ؟
تجب على كل رجل مسلم بالغ عاقل صحيح حُرّ مُقيم مستوطن ببلد خالٍ مِن الأعذار .
فلا تجب على المرأة ، وإن حضرتها أجزأتها عن صلاة الظهر .
ولا تجب على الكافر ؛ لأنه يُخاطَب بالإسلام ابتداء ، ثم يُؤمَر بشرائع الإسلام .
وتجب على البالغ فلا يُخاطَب بها الصبي ، وإن كان يُؤمَر بها ويُعوّد عليها .
وتجب على العاقل ، فلا تجب على مجنون ، لِعموم حديث : رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ : عَنْ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يَفِيقَ .. الحديث . رواه الإمام أحمد أبو داود والترمذي من حديث علي رضي الله عنه ، ورواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه مِن حديث عائشة رضي الله عنها .
وتَجِب الجمعة على الصحيح ، فلا تجب على المريض الذي يشقّ عليه حضور الجمعة .
ونَقَل النووي ضابِط المرض الذي يُعذر معه بِترك الجمعة ، فقال : المرض المسقط للجمعة هو الذي يَلحق صاحبه بِقَصد الجمعة مَشَقَّة ظاهرة غير محتملة . اهـ .
وتجب على الْحُرّ ، فلا تجب على العبد ، إلاَّ بإذن سَيِّده .
قال النووي : لا تجب علي العبد ولا المكاتب ، وسواء المدبر وغيره . هذا مذهبنا ، وبه قال جمهور العلماء . قال ابن المنذر : أكثر العلماء على أن العبد والمدبر والمكاتب لا جمعة عليهم . اهـ .
وتجب الجمعة على المقيم ، فلا تجب على المسافر ، فإن حَضَر المسافر الجمعة أجزأته عن الظهر .
قال النووي : لا تجب الجمعة على المسافر ... وحكاه ابن المنذر وغيره عن أكثر العلماء . اهـ .
وتجب الجمعة على المستوطن ببلد تُقام فيه الجمعة ، فلا تَجب على أهل البوادي ومَن في حُكمهم مِن الذين تُدرِكهم الجمعة وهم في البَرّ ، ولو أقاموها لم تَصِحّ منهم .
وأما الخلو مِن الأعذار ، فهناك أعذار يسقط معها وُجوب حضور الجمعة ، ومن تلك الأعذار :
الخوف على النفس أو على الأهل ، فله أن يتخلّف عن الجمعة ، ويُصليها ظُهرا .
وكذلك مَن كُلِّف بِحراسة ونحوها مما تتعلّق به مصالح المسلمين ، إلا أن عليه أن لا يستمرئ هذا الأمر كل جمعة .
ومِن الأعذار : المطر ، فقد قال ابن عَبَّاسٍ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ : إِذَا قُلْتَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، فَلا تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ ، قُلْ : صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ . فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَاكَ ، فَقَالَ : أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا ؟ قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي ، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُخْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ . رواه البخاري ومسلم .
7= صلاة الجمعة فَرْض مُسْتَقِلّ ، في وقته – وسيأتي التفصيل فيه – وأن الصحيح في وقت الجمعة أنه ليس وقت صلاة الظهر .
وهو فَرْض مُسْتَقِلّ في هيئته ، فهي صلاة جهرية في وسط النهار ، ويُقَدَّم لها بخطبتين .
ولا تُقام صلاة الجمعة في البوادي والأسفار .
ولا تجب على امرأة ولا صبي ولا عبد .
إلى غير ذلك مما يستقلّ به ذلك الفَرْض عن غيره مِن الصلوات .
ولذلك كان مِن خصائص صلاة الجمعة أنها لا تُجْمَع مع غيرها ؛ لأنها صلاة مُستقِلّة ، وجماهير أهل العلم على القول بِعدم جواز جَمْع العصر إلى الجمعة .
وأفتى غير واحد من علماؤنا بإعادة صلاة العصر التي جُمِعت إلى صلاة الجمعة .
كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم