ففي حالة الأمراض المزمنة الوخيمة المستعصية كثيرة المضاعفات والمشاكل الصحية كأمراض السرطان والقلب والشرايين والسكري وغيرها لا نستطيع أن نشير إلى سبب واحد مباشر لها وإنما هنالك مجموعة من العوامل التي تعمل متظافرة وتؤدي إلى ظهور المرض وتساعد على انتشاره بكثرة في المجتمع ليصبح مشكلة صحية وخيمة وكبيرة يعاني منها الأفراد والمجتمعات في العالم كله.
ومن أهم عوامل الخطورة المسببة لتلك الأمراض والتي درس وفحص أثرها السلبي من خلال دراسات وبائية كثيرة جدا وعلى مداد سنين طويلة وفي بقاع مختلفة من العالم، التدخين والسمنة وزيادة نسبة الدهون في الدم والعامل النفسي والعامل الوراثي والخمول والكسل الجسمي والتلوث الإشعاعي وغيرها من العوامل.
وبعد دراستي وعملي في اختصاص طب المجتمع تعمّقت في دراسة تفاصيل هذا المفهوم وخطر هذه العوامل وطرق السيطرة عليها والحد من انتشارها في المجتمع وذلك كسبيل وحيد ومهم جدا للسيطرة على تلك الأمراض الوخيمة المزمنة والتي لا تكاد البشرية اليوم أن تجد علاجات جذرية وفعالة لها رغم التطور العلمي والطبي الكبير الذي نشهده.
تعلّمت ذلك ووعيته نظريّا كون التطبيق ما زال متأخرا في بلدنا كباقي مجالات العلم والمعرفة مع الأسف الشديد. ثم ّ بعد هجرتي إلى بلد غربي وعملي فيه كطبيب في المركز الصحي وبعد شروعي في دراسة تخصص الطب العام اطلعت على وعايشت ومارست عمليا طرق سيطرة عملية وذكية ومهمة جدا للحد من انتشار عوامل الخطورة التي ذكرناها آنفا، ووجدت وعيا كبيرا بين الناس لهذا المفهوم وممارسات عملية واعية للسيطرة عليها. لكن رغم كل ذلك نجد أن تلك الأمراض مازالت منتشرة ومتوطنة وتسبب مشكلة صحية كبيرة ومعقدة تحتاج إلى جهود متظافرة أكبر وأعمق وأذكى للسيطرة على عوامل الخطورة تلك أولا ثم على الأمراض المزمنة الوخيمة المهلكة ثانيا.
قلت كل هذه المقدمة الطويلة لأني تفكّرت في مرض ضعف الإيمان واليقين بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشرّه، وركوني والناس إلى الدنيا والافتتان بها والسعي لها كغاية أساسية ونهائية دون الإلتفات إلى الحياة التي بعدها في القبر والآخرة والحساب والعقاب والثواب.
هذا المرض الوخيم المزمن المستعصي ذو المضاعفات الكثيرة والخطيرة والمهلكة، مرض العصر الذي نخر عظامي وجسمي وقلبي وروحي وجسم المجتمع الإسلامي وغير الإسلامي، هذا الداء الخطير الذي استشرى وانتشر وينتشر وما من انتباهه ذكية لطرق العلاج والسيطرة لعوامل الخطورة خاصته التي تؤدي إليه وتسببه.
تفكّرت في هذا المرض وفي نفسي وحالي وحال المجتمعات من حولي وعلى طريقة ومنهجية تفكير طب المجتمع والصحة العامة والطب الوقائي أيام طويلة.. وأنا داخل هذه الأجواء التفكّرية مرّت على سمعي وعقلي وقلبي الآيات الأولى في سورة الأنبياء، بسم الله الرحمن الرحيم: "اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون. ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون. لاهية قلوبهم…"، وعشت مع الأفكار والآيات أيام طويلة أيضا سجلت خلالها على الورق بعض الأفكار والخواطر المتناثرة.
ثمّ أرسلت إلي مدرسة إنقاذ الإيمان وضمن نشاطات وفعاليات التواصل الفكري والقلبي والروحي الحبيب معها أبيات شعرية إيمانية شعبية باللغة القروية العامية البسيطة للشاعر الشعبي عباس داود والتي يقول مطلعها:
قووا إيمانكم يهل العقيدة… واحذروا الغفلة تر الفتنة شديدة قصيدة جميلة ومعبرة وتتضمن معاني إيمانية رائعة جدا للمتبصر الفطن.
أعدت قرائتها مرات عديدة مع نفسي وبصوت خافت وجهرا ومع الأولاد والأهل حتى كدت احفضها غيبا فتزاحمت أفكار عوامل الخطورة مع الآيات الكريمة مع الأبيات الشعرية الإيمانية ثم توصلت إلى الفكرة التالية:
إن داء العصر الأهم والمرض المزمن الوخيم والخطير ذو المضاعفات الفتاكة المهلكة الذي أعاني منه وتعاني منه الأفراد والجماعات والأحزاب والمجتمعات والذي عطلني وآذاني وفتك بي ويكاد يهلكني وباقي الناس هو داء ومرض ضعف الإيمان.
وإن عوامل الخطورة "أو من عوامل الخطورة" المهمة المؤدية والمسببة لانتشار واستفحال هذا الداء كما فهمت ووعيت وعلمت هي ثلاثة، وجدتها في الآيات الكريمة الأولى في سورة الأنبياء وهي: الغفلة… واللعب… واللهو…
نعم.. يجدر بي وأنا أحمل شهادة الطب ووشهادة الإختصاص في طب المجتمع وأدرس في اختصاص الطب العام في بلد "متطور" في مجالات علمية دنيوية محددة وفي الطب، يجدر بي أن أنتبه إلى دائي وعلتي المهلكة ثم إلى داء الناس والمجتمعات من حولي وإلى عوامل الخطورة المسببة له، وأن ألتفت إلى دراسة وفهم وتطبيق طرق وأساليب علاج وسيطرة واعية وذكية وفعالة أفك بها قيودي وسلاسلي والأغلال التي في عنقي لأنفذ في أقطار سماوات السعادة والرقي والنجاح بسلطان الإيمان بالله الخالق العظيم القدير جل جلاله.
نعم يجدر بي أن أسعى لذلك، وإلا أصبح حالي كحال بني إسرائيل عند رفضهم لتعاليم التوراة وتحريفها، كمثل الحمار يحمل أسفارا.
بئس المثل مثلي لو كنت أحمل الشهادات والتخصصات العلمية الطبية ثم أفشل في معالجة عوامل الخطورة المهمة.. الغفلة واللعب واللهو.. المسببة لدائي.. داء العصر.. مرض ضعف الإيمان.
منقول