منتدى بستان الحب
أبو بكر الصديق رضى الله عنه Untitl10
منتدى بستان الحب
أبو بكر الصديق رضى الله عنه Untitl10
منتدى بستان الحب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  شات  الفوتوشوب  دخولدخول  



 

 أبو بكر الصديق رضى الله عنه

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
جاسمين
مديرة الموقع
مديرة الموقع
جاسمين


أبو بكر الصديق رضى الله عنه VfR37503
أبو بكر الصديق رضى الله عنه 910

أبو بكر الصديق رضى الله عنه S15

أبو بكر الصديق رضى الله عنه 38675593
مصر
انثى عدد المساهمات : 3005
تاريخ التسجيل : 02/02/2010

أبو بكر الصديق رضى الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: أبو بكر الصديق رضى الله عنه   أبو بكر الصديق رضى الله عنه Emptyالأحد 28 فبراير 2010, 20:33

خليل رسول الله
والصديق عبدالله بن أبي قحافة

هو:
عبد الله بن أبي قحافة
عثمان بن كعب التيمي القرشي أبو بكر الصديق هو صحابي ممن رافقوا النبي
محمد بن عبدالله منذ بدء الإسلام، ويعتبر الصديق المقرب له. أول الخلفاء
الراشدين وأحد العشرة المبشرين بالجنة عند أهل السنة والجماعة. أمه سلمى
بنت صخر بن عامر التيمي. ولد سنة 51 ق.هـ (573 م) بعد عام الفيل بحوالي
ثلاث سنوات . كان سيداً من سادة قريش وغنيا من كبار موسريهم, وكان ممن
رفضوا عبادة الأصنام في الجاهلية، بل كان حنيفاً على ملة إبراهيم. وكان من
أوائل من أسلم من أهل قريش. وهو والد عائشة زوجة الرسول وسانده بكل ما يملك
في دعوته، وأسلم على يده الكثير من الصحابة.
يعرف في التراث السني بأبي بكر الصديق لأنه صدق محمداً في قصة الإسراء
والمعراج، وقيل لأنه كان يصدق النبي في كل خبر يأتيه ؛ وقد وردت التسمية في
آيات قرآنية وأحاديث نبوية عند أهل السنة والجماعة. وكان يدعى بالعتيق
والأوّاه.. وعن تسميته بأبي بكر قيل لحبه للجمال، وقيل لتبكيره في كل شيء.
بويع بالخلافة يوم الثلاثاء 2 ربيع الأول سنة 11هـ، واستمرت خلافته قرابة
سنتين وأربعة أشهر. توفي في يوم الاثنين في الثاني والعشرين من جمادى
الأولى سنة ثلاث عشرة من الهجرة.
صفاته
ابيض نحيف خفيف العارضين (صفحتا الوجه) اجنأ(في ظهره انحناء) لا يستمسك
إزاره يسترخي عن حقويه،معروق الوجه(لحم وجهه قليل)،غائر العينين نأتئ
الجبهه،عاري الاشاجع(هي أصول الاصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف)
حياته قبل الإسلام
نشأ أبو بكر في مكة، ولما جاوز عمر الصبا عمل بزازاً - أي بائع ثياب - ونجح
في تجارته وحقق من الربح الكثير. وكانت تجارته تزداد اتساعاً فكان من
اثرياء قريش؛ ومن ساداتها ورؤسائها. تزوج في بداية شبابه قتيلة بنت عبد
العزى، ثم تزوج من أم رومان بنت عامر بن عويمر. كان يعرف برجاحة العقل
ورزانة التفكير، وأعرف قريش بالأنساب. وكانت له الديات في قبل الإسلام.
وكان ممن حرموا الخمر على أنفسهم في الجاهلية، وكان حنيفياً على ملة النبي
إبراهيم. كان أبو بكر يعيش في حي حيث يسكن التجار؛ وكان يعيش فيه النبي،
ومن هنا بدأت صداقتهما حيث كانا متقاربين في السن والأفكار والكثير من
الصفات والطباع.
إسلامه
كان أبو بكر من أوائل من أسلم من الصحابة، حتى قيل إنه أول من أسلم إطلاقاً
من الذكور؛ بينما يتبنى الشيعة الروايات التي تقول بأن علي بن أبي طالب
أول الذكور إسلاماً. وتقول الروايات إنه الوحيد الذي أسلم دون تردد وصدق
دعوة محمد على الفور.
حياته بعد الإسلام
وبعد أن أسلم، ساند النبي في دعوته للإسلام مستغلاً مكانته في قريش وحبهم
له، فأسلم على يديه الكثير ، منهم خمسة من العشرة المبشرين بالجنة وهم:
عثمان بن عفان، والزُّبَير بن العوَّام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي
وقاص، وطلحة بن عبيدالله. كذلك جاهد بماله في سبيل الدعوة للإسلام حيث قام
بشراء وعتق الكثير ممن أسلم من العبيد المستضعفين منهم: بلال بن رباح،
وعامر بن فهيرة، وزِنِّيرة، والنَّهديَّة، وابنتها، وجارية بني مؤمّل، وأم
عُبيس. وقد قاسى أبو بكر من تعذيب واضطهاد قريش للمسلمين، فتعرض للضرب
والتعذيب حين خطب في القريشيين، وحين دافع عن محمد لما اعتدى عليه
الوثنيين، وقاسى العديد من مظاهر الاضطهاد . من مواقفه الهامة كذلك أنه
صدَّق النبي في حادثة الإسراء والمعراج على الرغم من تكذيب قريش له، وأعلن
حينها دعمه الكامل للنبي وأنه سيصدقه في كل ما يقول، لهذا لُقب بالصِّديق.
بقي أبو بكر في مكة ولم يهاجر إلى الحبشة حين سمح النبي لبعض أصحابه بهذا،
وحين عزم النبي على الهجرة إلى يثرب؛ صحبه أبو بكر في الهجرة النبوية.
هجرته
هاجر الكثير من المسلمين إلى يثرب، وبقي النبي في مكة وبعض المسلمين منهم
أبو بكر الذي ظل منتظراً قراره بالهجرة حتى يهاجر معه، وكان قد أعد العدة
للهجرة، فجهز راحلتين لهذا الغرض واستأجر عبد الله بن أرقد من بني الديل بن
بكر وكان مشركًا ليدلهما على الطريق، ولم يعلم بخروجهما غير و علي وآل أبي
بكر. وفي ليلة الهجرة خرج الرسول عليه الصلاة والسلام في الثلث الأخير من
الليل وكان أبو بكر في انتظاره ورافقه في هجرته وبات معه في غار ثور ثلاثة
أيام حتى هدأت قريش في البحث عنهما فتابعا المسير إلى يثرب، ويروى أن خلال
الأيام الثلاثة جاء كفار قريش يبحثون عنهم في غار ثور إلا أن الله أمر
عنكبوتا بنسج خيوطه على الغار وأمر حمامة بوضع بيضها أمامه مما جعلهم
يشككون في وجودهما داخل الغار ، ووفقاً للروايات قال أبو بكر للنبي :«لو أن
أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا» فطمأنه قائلاً : «يا أبا بكر ما ظنك باثنين
الله ثالثهما؟ لا تحزن إن الله معنا». وقد ذُكر هذا في القرآن. وحسب رواية
ابن إسحاق فإن أبا بكر أمر ابنه عبد الله بن أبي بكر أن يتسمع لهما ما يقول
الناس فيهما بالنهار ويأتي ويخبرهما في الليل، وأمر عامر بن فهيرة مولاه
أن يرعى غنمه فيجعل آثار الشاة تغطي أقدامهما، وكانت أسماء بنت أبي بكر
تأتيهما بالطعام إذا أمست بما يصلحهما. ويعد أهل السنة هجرة أبو بكر مع
النبي محمد إحدى مناقبه العظيمة.
حياته في المدينة
بعدما وصل الرسول وأبي بكر للمدينة، قام محمد بالمؤاخاة بين المهاجرين
والأنصار، اخى بين أبي بكر وعمر بن الخطاب [9]. عاش أبو بكر في المدينة
طوال فترة حياة النبي وشهد معه الكثير من المشاهد، تقول الروايات أنه ممن
حاولوا اقتحام حصن اليهود في غزوة خيبر، وأنه ممن ثبتوا مع النبي في معركة
حنين حين انفض عنه المسلمين خوفاً وتفرقوا، كذلك يقال أنه حامل الراية
السوداء في غزوة تبوك حيث كان هناك رايتان إحداهما بيضاء وكانت مع الأنصار
والأخرى سوداء وقد اختلفت الروايات على حاملها فقيل علي بن أبي طالب وقيل
أبو بكر. تزوج من حبيبة بنت زيد بن خارجة فولدت له أم كلثوم، ثم تزوج من
أسماء بنت عميس فولدت له محمدًا.[5]
خلافته


الفتوحات الإسلامية من عهد الرسول وحتى نهاية الخلافة الأموية
وفي أثناء مرض الرسول أمره أن يصلي بالمسلمين ، وبعد وفاة الرسول الكريم
بويع أبو بكر بالخلافة في سقيفة بني ساعدة ، وكان زاهدا فيها ولم يسع إليها
، إذ دخل عليه ذات يوم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فوجده يبكي ، فسأله
عن ذلك فقال له :" يا عمر لا حاجة لي في إمارتكم !!" فرد عليه عمر :" أين
المفر ؟ والله لا نقيلك ولا نستقيلك " وجهز في فترة حكمه حروب الردة؛ ضد
أولائك الذين رفضوا دفع الزكاة، وأرسل جيشاً بقيادة أسامة بن زيد كان قد
جهزه النبي قبل وفاته ليغزو الروم.
مواقف في وقت خلافته
كان عمر بن الخطاب يَرَى أبا بكر يخرج كل يوم من صلاة الفجر إلى ضاحية من
ضواحي المدينة، فكان يتساءل في نفسه إلى أين يخرج! ثم تَبِعَه مرة فإذا هو
يدخل إلى خيمة منزوية، فلما خرج أبا بكر دخل عمر فإذا بالخيمة عجوزاً كسيرة
عمياء معها طفلين، فقال لها عمر: يا أمة الله، من أنتِ ؟! قالت: أنا
عجوزاً كسيرة عمياء في هذه الخيمة، مات أبونا ومعي بنات لا عائل لنا إلا
الله –عز وجل- قال عمر: ومن هذا الشيخ الذي يأتينكم ؟ قالت: هذا شيخ لا
أعرفه يأتي كل يوم فيكنس بيتنا ويصنع لنا فطورنا ويحلب لنا شياهنا! فبكى
عمر وقال: أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر !( سيرة ابن هشام)
وفاته
توفي ليلة الثلاثاء في المدينة المنورة في العام الثالث عشر للهجرة وعمره
أربع وستون سنة ، وأوصى بالخلافة من بعده لعمر بن الخطاب. فدفن إلى جوار
الرسول. وترك من الأولاد: عبد الله، وعبد الرحمن، ومحمد، وعائشة وأسماء،
وأم كلثوم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جاسمين
مديرة الموقع
مديرة الموقع
جاسمين


أبو بكر الصديق رضى الله عنه VfR37503
أبو بكر الصديق رضى الله عنه 910

أبو بكر الصديق رضى الله عنه S15

أبو بكر الصديق رضى الله عنه 38675593
مصر
انثى عدد المساهمات : 3005
تاريخ التسجيل : 02/02/2010

أبو بكر الصديق رضى الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو بكر الصديق رضى الله عنه   أبو بكر الصديق رضى الله عنه Emptyالأحد 28 فبراير 2010, 20:34

مولد أبي بكر الصديق:

بعد حادثة الفيل الشهيرة، التي قادها أبرهة الأشرم الحبشي لهدم الكعبة،
وانهزم شر هزيمة بالطير الأبابيل، التي أرسلها الله عليه ترميه بحجارة من
سجيل.

بعد رحيل أبرهة بسنتين، أي في السنة الثالثة والسبعين وخمسمائة من ميلاد
السيد المسيح -عليه السلام- كانت أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر، على موعد
لتضع مولودها الذي انتظرته طويلاً في مكة، وقد حرمت الأمومة، ولم يعش لها
ولد منذ أن تزوجت، فأقسمت أن تنذر مولودها للكعبة علها تظفر برجاء.

وكان أن صح فألها وتحققت أمنيتها، فجاءها المولود أبيض البشرة، وسيمًا،
عليه مخايل الذكاء، فأسمته عبد الكعبة، ولقب بالعتيق لبياض في بشرته، وطار
الخبر إلى أبيه عثمان بن مرة، المعروف بأبي قحافة، والقحافة: السيل الجارف،
فاحتفى به واحتفت به قبيلته قبيلة تيم، وهي التي كانت تقوم بشئون الديات
والمغارم في مكة، إذ كان لكل قبيلة مقيمة في مكة اختصاص، فقد كان لبني عبد
مناف: السقاية والرفادة، ولبني عبد الدار: اللواء والحجابة والندوة، وذلك
قبل ولادة هاشم جد النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-.

وكانت قيادة الجيوش لبني مخزوم أجداد خالد بن الوليد، وكانت لتيم مكانة بين
القبائل العربية، فقد روي أن المنذر بن ماء السماء، طلب امرئ القيس بن حجر
الكندي، فأجاره المعلى التيمي، فقال امرؤ القيس:

أقر حشا امرئ القيس بن حجر بنو تيم مصابيح الظلام

ولهذا البيت أطلق على بني تيم مصابيح الظلام، في مكة وفي حي من أحياء
تجارها المرموقة وبجوار بيت خديجة بنت خويلد كان بيت عبد الكعبة الذي نشأ
وترعرع فيه، ثم ذهب ليتعلم القراءة والكتابة وعلم الأنساب في قومه، فغدا
أنسب قريش لقريش، وأعلم بما كان فيها من خير وشر، ولما أصبح يافعًا رافق
تجارها وتجارتها، فازدادت معرفته وثقلت خبرته واغتنت تجربته من خلال رحلة
الشتاء والصيف، واصطفى أصدقاء أقرب لطباعه وخلقه من بين شاب مكة، فكان
عثمان بن عفان، ومحمدا -صلى الله عليه وسلم-.

وغدا الثلاثة أصحابًا ورفاق سمر وترحال وبيع وشراء، وعرفوا من بين الشباب
بالعزوف عن اللهو وشرب الخمر ومخالفة عادات قومهم وتقاليد عشيرتهم، وكان
محمد -عليه الصلاة والسلام- كثيرًا ما ينقطع عن ملاقاتهم لركونه للخلوة
والوحدة، والانعزال والتأمل، والتعبد في غار حراء قبل أن يبعث بالنبوة.

كان عبد الكعبة، أبيض اللون، نحيفًا، خفيف العارضين، معروق الوجه، غائر
العينين، ناتئ الجبهة، رقيق الطبع، رضي الخلق، رزينًا حسن الرأي، راجح
العقل، حسن الحديث، لطيف المعاشرة، تاجرًا ذا خلق.

اختار تجارة الثياب عملاً، فوفق كل التوفيق ونمت تجارته، وأصبح مما يشهد له
في قومه بحنكة التجارة والمبيع والربح، واضطرته تجارته أن يرتحل مع
القوافل إلى بلاد الشام، فجاب أرجائها واطلع على عادات أهلها وتقاليدهم،
وحمل من أقمشتها إلى بلاد الحجاز أثمنها وأجملها وأغناها.

كما احتك بأفكار أهلها الذين كان منهم على دين السيد المسيح -عليه السلام-،
أو الدين الحنيف دين إبراهيم -عليه السلام- وكلاهما يرفضان الوثنية عقيدة
ومعتقدًا ويدعوان إلى عبادة الله، وإلى سلوك طريق مستقيم، فكان في ذلك
متبصرًا وعليه مطلعًا.

آثر الزواج وهو في ميعة الصبا وصدر الشباب، فاختار قتيلة بنت عبد العزى
زوجة له، فولدت له عبد الله وأسماء، التي لقبت فيما بعد بذات النطاقين،
وتزوجت الزبير بن العوام ابن عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صفية
وولدت له عبد الله، وعلى عادة العرب وغيرهم من الشعوب في ذلك الزمن في
إطلاق التعدد في الزوجات، فقد تزوج مرة ثانية فكانت من نصيبه: بعد بنت عامر
بن عميرة الكنانية المعروفة بأم رومان، فولدت له عبد الرحمن وعائشة التي
غدت أم المؤمنين.

وآذن الفجر بشروق شمس النبوة، وسطوع قمر بني هاشم، وما كان من محمد بن عبد
الله -صلى الله عليه وسلم- بعد أن أخبر أهل بيته بنزول الوحي عليه وهم أقرب
الناس إليه إلا أن حدث صديقه وأسر إليه ذلك النبأ العظيم وأخبره بتلقي
الوحي، فهل سيصدقه ويؤمن به، وهو الذي عرفه الصادق الأمين، ولم يجرب عليه
كذبا، ورافقه عشرات السنوات في مكة، وفي التجارة والسفر والرحلة، أم
سيخذله!!

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما دعوت أحدًا إلى الإسلام إلا كانت
عنده فيه كبوة، ونظر وتردد، إلا ما كان من أبي بكر بن أبي قحافة، ما عكم
عنه حين ذكرته له، وما تردد فيه)، وينقلب اسم عبد الكعبة إلى عبد الله منذ
أن أسلم لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الذي أراد ذلك، ويندفع عبد الله
بن أبي قحافة ليروي خبر النبوة، ويعرض الإسلام على أصدقائه فيسلموا، يسلم
عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص،
والزبير بن العوام، ثم يذهب إلى أبي عبيدة بن الجراح وغيرهم، فيدخلون في
الدين الجديد، ويؤمنون بنوة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وتنقلب الحياة في
مكة بظهور الدين الجديد.

ويدخل الشباب العاقل المتنور في الدعوة الجديدة، وتنقلب حياة عبد الكعبة
الذي أصبح عبد الله بن أبي قحافة، فشعر بما يمكن أن يقدم للدعوة والدين
الحنيف، وصغر شأن الدنيا في عينيه، فسخر أمواله وتجارته للزود عن
المستضعفين، وعن عقيدته.



وصحب محمدًا -صلى الله عليه وسلم- في جل حياته حتى مماته، ولم يسلم من أذى
قريش، بالرغم من مكانته في قومه، فعرض حياته للخطر في الدفاع عن النبي -صلى
الله عليه وسلم- حين آذته قريش، جاء في "السيرة الحلبية" أن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- لما دخل دار الأرقم ليعبد الله تعالى ومن معه من
أصحابه فيها سرًا، وكانوا ثمانية وثلاثين رجلا، ألح أبو بكر -رضي الله عنه-
على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الظهور، أي الخروج إلى المسجد،
فقال: (يا أبا بكر إنا قليل)، فلم يزل به حتى خرج رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- ومن معه من أصحابه إلى المسجد، وقام أبو بكر في الناس خطيبًا ورسول
الله -صلى الله عليه وسلم- جالس، ودعا إلى الله ورسوله، فهو أول خطيب دعا
إلى الله تعالى.

وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين يضربونهم، فضربوهم ضربًا شديدًا،
ووطئ أبو بكر بالأرجل، وضرب ضربًا شديدًا، وصار عتبة بن ربيعة يضرب أبا بكر
بنعلين مخصوفتين، أي مطبقتين ويحرفهما إلى وجهه، حتى صار لا يعرف أنفه من
وجهه، فجاءت بنو تيم يتعادون فأجلت المشركين عن أبي بكر، وحملوه في ثوب إلى
أن أدخلوه منزله ولا يشكون في موته، ثم رجعوا فدخلوا المسجد فقالوا: والله
لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة.

ثم رجعوا إلى أبي بكر، وصار والده أبو قحافة وبنو تيم يكلمونه فلا يجيب،
حتى إذا كان آخر النهار تكلم وقال: ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فعذلوه، فصار يكرر ذلك، فقالت أمه: والله ما لعلم بصاحبك، فقال: اذهبي إلى
أم جميل بنت الخطاب، أخت عمر بن الخطاب، فإنها كانت أسلمت -رضي الله تعالى
عنها- وهي تخفي إسلامها، فاسأليها عنه، فخرجت إليها وقالت لها: إن أبا بكر
يسأل عن محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت لا أعرف محمدا ولا
أبا بكر، ثم قالت لها تريدين أن أخرج معك، قالت: نعم، فخرجت معها إلى أن
جاءت أبا بكر -رضي الله تعالى عنه- فوجدته صريعًا، فصاحت وقالت: إن قوما
نالوا هذا منك لأهل فسق، وإني لأرجو أن ينتقم الله منهم.

فقال لها أبو بكر: ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت له: هذه
أمك تسمع، قال: فلا عين عليك منها، قالت: سالم، فقال: أين هو؟ فقالت: في
دار الأرقم، فقال: والله لا أذوق طعامًا ولا أشرب شرابًا أو آتي رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- قالت أمه فأمهلناه حتى إذا هدأت الرجل، وسكن الناس،
فخرجنا به يتكئ علي حتى دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرق له رقة
شديدة، وأكب عليه يقبله، وأكب عليه المسلمون كذلك، فقال بأبي وأمي أنت يا
رسول الله، ما بي من بأس إلا ما نال الناس من وجهي، وهذه أمي بارة بولدها
فعسى الله أن ينقذها بك من النار، فدعا لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
ودعاها إلى الإسلام فأسلمت.

لم يعد عبد الكعبة يعرف منذ أن أسلم بهذا الاسم بل تحول إلى عبد الله،
وغلبت عليه كنيته فلم يعد يعرف إلا بأبي بكر، ولم يذكر الرواة من أين جاءته
هذه الكنية التي لازمته طوال حياته واشتهر بها، وأصبحت المحببة إليه، وإلى
جميع المسلمين، ومنذ اليوم الأول من إسلامه شارك في العمل بكل طاقاته مع
النبي -صلى الله عليه وسلم- لتبليغ الدعوة ونشر تعاليم الدين الحنيف، وجهد
قدر ما يستطيع للتخفيف عن المستضعفين عناء العذاب، فلقد وثبت كل قبيلة على
من فيها من المسلمين، فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش
وبرمضاء مكة إذا اشتد الحر، من استضعفوا منهم يفتنونهم عن دينهم، فمنهم من
يفتن من شدة البلاء الذي يصيبه، ومنهم من يصلب لهم ويعصمه الله منهم.

يقول ابن هشام في السيرة، وكان بلال مولى أبي بكر -رضي الله عنهما- لبعض
بني جمح، مولدًا من مولديهم، وهو بلال بن رباح، وكان اسم أمه حمامة، وكان
صادق الإسلام، طاهر القلب.

وكان أمية بن خلف بن وهب بن خزافة بن جمح، يخرجه إذا حميت الظهيرة، فيطرحه
على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول
له: لا والله لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى،
فيقول وهو في ذلك البلاء: أحد أحد.

قال ابن إسحاق وحدثني هشام بن عروة عن أبيه قال: حتى مر به أبو بكر الصديق
بن أبي قحافة -رضي الله عنه- يومًا وهم يصنعون ذلك به، وكانت دار أبي بكر
في بني جمح، فقال لأمية بن خلف: ألا تتقي الله في هذا المسكين حتى متى؟
قال: أنت الذي أفسدته، فأنقذه مما ترى، فقال أبو بكر: أفعل، عندي غلام أسود
أجلد منه وأقوى على دينك، اعطيكه به، قال: قد قبلت، فقال: هو لك.

فأعطاه أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- غلامه ذلك، وأخذه وأعتقه، وأعتق معه
ست رقاب، أعتق عامر بن فهيرة، وأم عبيس، وزنّيرة التي ذهب بصرها يوم
أعتقها، فقالت قريش: ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى، فقالت: كذبوا وبيت
الله، ما تضر اللات والعزى وما تنفعان، فرد الله بصرها.

وأعتق النهدية وبنتها، وأعتق جارية بني مؤمل، قال أبو قحافة لأبي بكر: يا
بني إني أراك تعتق رقابًا ضعافًا، فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت رجالاً
جلدًا يمنعونك ويقومون دونك، فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: يا أبتي إني
إنما أريد ما أريد لله -عز وجل-، ونزلت آيات القرآن العظيم في حقه وفي
موقفه هذا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ?فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى
وَاتَّقَى ?5? وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى? [الليل: 5: 6] إلى قوله تعالى:
?وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى ?19? إِلَّا ابْتِغَاءَ
وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى? [الليل: 19: 21].

الصديق صفة لأبي بكر رضي الله عنه.



قال أبو محجن الثقفي:

وسميت صديقًا وكل مهاجرٍ سواك يسمى باسمه غير منكر

سبقت إلى الإسلام والله شاهد وكنت جليسا في العريش المشهر

أسرى الله -سبحانه وتعالى- بعبده محمد -صلى الله عليه وسلم- بعد أن اشتدت
المحن عليه وفقد أقرب الناس إليه، أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى وعرج إلى سدرة المنتهى، وعاد إلى مكة بليلة واحدة.

عاد ليحدث بما شاهد، فسخر القوم منه وشكك بعض من آمن به، وارتدوا عن
الإتباع لدينه، وقال أكثر قريش هذا والله الإمر البين، والله إن العير
لتطرد شهرا من مكة إلى الشام مدبرة، وشهرًا مقبلة، أفيذهب محمد في ليلة
واحدة ويرجع إلى مكة.

جاء في السيرة لابن هشام: وذهب الناس إلى أبي بكر فقالوا له: هل لك يا أبا
بكر في صاحبك، يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى
مكة، فقال لهم أبو بكر: إنكم تكذبون عليه، فقالوا: بلى، ها هو ذاك في
المسجد يحدث الناس به، فقال أبو بكر: والله لئن كان قاله لقد صدق، فما
يعجبكم من ذلك؟ فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من الله من السماء إلى
الأرض في ساعة من ليل أو نهار، فأصدقه فهذا أبعد مما تعجبون منه.

ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا نبي الله!
حدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة؟ قال: نعم، قال: يا نبي
الله فصفه لي فإني قد جئته، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصفه لأبي
بكر، ويقول أبو بكر: صدقت أشهد أنك رسول الله، كلما وصف له منه شيئًا قال:
صدقت أشهد أنك رسول الله، حتى إذا انتهى قال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- لأبي بكر: (وأنت يا أبا بكر)، الصديق فيومئذٍ سماه الصديق، ونزل قوله
تعالى فيمن ارتد عن إسلامه: ?وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي
أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ ? [الإسراء: 60]، وازداد أذى قريش
للمسلمين بعد حادثة الإسراء، ويأس النبي -صلى الله عليه وسلم- من قومه فعرض
نفسه على القبائل، وذهب إلى الطائف، يستنصر أهلها، فردوه ردا غير جميل،
وأذن لنفر من أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، واستبقى أبا بكر بجانبه ليشاركه
في الدفاع عن المستضعفين ظلم قريش.

وفي أعقاب البيعة الثانية اشتد الأذى فاستأذنه أصحابه في الهجرة فقال: قد
أخبرت بدار هجرتكم وهي يثرب، فمن أراد الخروج، فليخرج إليها، فأخذ الصحابة
يتجهزون سرا، ويهاجرون تباعا، يلحق بعضهم بعضا، حتى لم يبقَ بمكة إلا رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعلي، أو معذب محبوس، أو مريض أو ضعيف
عن الخروج، وورد في الصحيح، أن أبا بكر -رضي الله عنه- لما وجد الكثرة قد
هاجرت جاء يستأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أن يهاجر هو الآخر،
فقال له: (على رسلك، فإني أرجو أن يؤذن لي)، وفي رواية: استبقاه قائلا له:
(لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا)، وأدرك أبو بكر ما يعنيه رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- وحبس نفسه ليصحبه، وأعد راحلتين وعلفهما وأخذ يتعهدهما
بالرعاية أربعة أشهر.

ورأت قريش أن أتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأشياعه قد هاجروا إلى
المدينة، فأدركت أنه لا بد أن يلحق بهم، فاجتمعوا في دار الندوة يتشاورون،
فاتفقوا على أن يأخذوا من كل قبيلة فتى جلدا، ثم يعمدوا إليه فيضربوه ضربة
رجل واحد، فيقتلوه كي لا يقدر بنو عبد مناف على حربهم جميعا، وضربوا لذلك
موعدا يوما معلوما، فأخبره الوحي، ونهاه أن ينام في مضجعه وأمره بالهجرة.

ويروي البخاري حديث عائشة -رضي الله عنها-: فبينما نحن جلوس في بيت أبي بكر
في حر الظهيرة، قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
متقنعًا -في ساعة لم يكن يأتينا فيها- فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي،
والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر، قالت: فجاء رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- فاستأذن فأذن له فدخل، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي
بكر: (أخرج من عندك) فقال أبو بكر، إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله،
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (نعم، فقد أذن لي بالهجرة)، قالت
عائشة فجهزناهما أحسن الجهاز، ووضعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء قطعة
من نطاقها فربطت به فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاق.

وعاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى بيته وأمر عليَّ بن أبي طالب -رضي
الله عنه- أن يتخلف بعده بمكة ليؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس، إذ
لم يكن أحد من أهل مكة له شيء يخشى عليه إلا استودعه عند رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- لما يعلمون من صدقه وأمانته.

وأمر أبو بكر ابنه عبد الله أن يتسمع لهما ما يقوله الناس فيهما نهاره، ثم
يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر، وأمر عامر بن فهيرة
مولاه أن يرعى غنمه نهاره، ثم يريحها عليهما إذا أمسى، وكانت أسماء تأتيهما
بالطعام، وفي مساء الليلة التي هاجر فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-
اجتمع المشركون على باب بيته -عليه الصلاة والسلام- يتربصون به ليقتلوه،
ولكنه خرج من بينهم وقد ألقى الله عليهم سنة من النوم بعد أن ترك عليا -رضي
الله عنه- نائمًا على فراشه، وطمأنه بأنه لن يصاب بمكروه، قال تعالى: ?
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ
أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيمْكُرُونَ وَيمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ
الْمَاكِرِينَ ? [الأنفال: 30].

وانطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه أبو بكر إلى غار ثور ليقيما
فيه بعد أن مضى ثلاث عشرة سنة على البعثة، فدخل أبو بكر الغار مستطلعًا ثم
نزلاه، وأقاما فيه ثلاثة أيام.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جاسمين
مديرة الموقع
مديرة الموقع
جاسمين


أبو بكر الصديق رضى الله عنه VfR37503
أبو بكر الصديق رضى الله عنه 910

أبو بكر الصديق رضى الله عنه S15

أبو بكر الصديق رضى الله عنه 38675593
مصر
انثى عدد المساهمات : 3005
تاريخ التسجيل : 02/02/2010

أبو بكر الصديق رضى الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو بكر الصديق رضى الله عنه   أبو بكر الصديق رضى الله عنه Emptyالأحد 28 فبراير 2010, 20:35

وفي سيرة ابن
هشام حدثت أسماء بنت أبي بكر قالت: لما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وأبو بكر -رضي الله عنه- أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام فوقفوا
على باب أبي بكر، فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوكي يا بنت أبي بكر؟ قلت: لا
أدري والله أين أبي. فرفع أبو جهل يده وكان فاحشا خبيثا، فلطم خدي لطمة طرح
منها قرطي، انطلق المشركون بعد أن علموا بخروجهما ينتشرون في الطرق
المؤدية ليثرب، ويفتشون في جميع الأماكن حتى وصلوا إلى غار ثور، وسمع
الرسول وصاحبه وقع أقدام المشركين فأخذ الروع قلب أبي بكر وهمس يقول: لو
نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فأجابه -عليه الصلاة والسلام-: يا أبا بكر ما
ظنك باثنين الله ثالثهما قال تعالى: ? إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ
اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا
فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا
فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ
تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ
اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ? [التوبة: 40].

وعن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- أن أباها أرسل أخاها عبد الله فحمل
ماله وكان خمسة آلاف درهم، فانطق بها معه، تقول أسماء: فدخل علينا جدي أبو
قحافة وقد ذهب بصره فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه، فقلت:
كلا يا أبتي إنه قد ترك لنا خيرًا كثيرًا فأخذت أحجارًا فوضعتها في كوة
البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوبًا، ثم أخذت بيده
فقلت: يا أبتي ضع يدك على هذا المال، فوضع يده عليه فقال: لا بأس إذا كان
قد ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم. ولا والله ما ترك لنا شيئا
ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك.

وعن أنس -رضي الله تعالى عنه-: أنفق أبو بكر على النبي -صلى الله عليه
وسلم- أربعين ألف دينار، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: (ما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر)، فقال أبو بكر: وهل أنا
ومالي إلا لك يا رسول الله.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحسان بن ثابت: (هل قلت في أبي بكر
شيئًا)، قال: نعم، فقال: (قل وأنا أسمع) فقال:

وثاني اثنين في الغار المنيف وقد طاف العدو به إذ صعد الجبل

وكان حب رسول الله قد علموا من البرية لم يعدل به رجل

حين وصل الركب إلى يثرب التي أصبح اسمها المدينة طيبة، نزل أبو بكر في
ضاحية من ضواحي المدينة تدعى السنح، على خارجة بن زيد الخزرجي، ولما آخى
النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المسلمين كان أبو بكر وخارجة أخوين، ثم بعث
أبو بكر لأهله وأبنائه فجاءوه من مكة وعملوا معه في الزراعة مزارعة مع
الأنصار.

وأقامت أسرة أبي بكر في المدينة في دار قريبة لدار أبي أيوب الأنصاري،
وأصابته الحمى نتيجة اختلاف الجو، ثم عوفي منها، واستقرت حاله في المدينة
واطمأن لموطنه الجديد، وأغناه كدحه عن الأنصار، ووجه كل همه لصحبة رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- وتثبيت الدعوة وتوطيد مركز المسلمين لا يضن
بتضحية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جاسمين
مديرة الموقع
مديرة الموقع
جاسمين


أبو بكر الصديق رضى الله عنه VfR37503
أبو بكر الصديق رضى الله عنه 910

أبو بكر الصديق رضى الله عنه S15

أبو بكر الصديق رضى الله عنه 38675593
مصر
انثى عدد المساهمات : 3005
تاريخ التسجيل : 02/02/2010

أبو بكر الصديق رضى الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو بكر الصديق رضى الله عنه   أبو بكر الصديق رضى الله عنه Emptyالأحد 28 فبراير 2010, 20:40

لما تعافى أبو
بكر من الحمى التي أصابته في المدينة جراء تغير الأجواء والبيئة، وهب نفسه
للدعوة الإسلامية وصحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يعد يلتفت إلى
تجارته، تجارة الأقمشة والثياب، بالقدر الذي تفرغ فيه لرعاية شؤون
المسلمين، وكان أن أنفق ثروته التي كانت تقدر بأربعين ألف دينار على
الدعوة، ولم يتبقى منها إلا خمسة آلاف حملها إلى المدينة.
وكان يعرف برقته وحنوه ووداعته ولم يكن ليغضب إلا لله، وقد لاقى في مكة
أنواع الشرور.
واصطدم في المدينة بجمع جديد يعج باليهود والمنافقين، ومن يكيد للإسلام من
طرف خفي، ويسخر من المهاجرين، في بيئة عصبها المال، وقروضها الربا، وبالرغم
من أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد وضع وثيقة الموادعة والعيش المشترك
مع يهود المدينة وجاء فيها:
(أن لكلٍ حرية دينه، وأن يقوم بشعائره متى شاء وكيف شاء)، لم يسلم المسلمون
من كيد يهود وسخريتهم، التي أثارت حفيظة أبي بكر بالرغم من حلمه وأناته
ووداعته، ففي سيرة ابن هشام أن أبا بكر -رضي الله عنه- دخل بيت المدراس على
يهود، فوجد منهم ناسًا كثيرًا قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص بن
عازر، وكان من علمائهم وأحبارهم، ومعه حبر من أحبارهم يقال له: أشيع، فقال
أبو بكر لفنحاص: ويحك يا فنحاص اتق الله وأسلم، فوالله إنك لتعلم أن محمدًا
لرسول الله قد جاءكم بالحق من عنده، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة
والإنجيل، فقال فنحاص لأبي بكر، والله يا أبا بكر، ما بنا إلى الله من فقر
وإنه إلينا لفقير وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا وإنا عنه لأغنياء، وما هو
عنا بغني ولو كان عنا غنيا ما استقرضنا أموالنا كما يزعم صاحبكم ينهاكم عن
الربا ويعطيناه، ولو كان عنا غنيا ما أعطانا الربا.
قال: فغضب أبو بكر فضرب وجه فنحاص ضربًا شديدًا وقال: والذي نفسي بيده لولا
العهد الذي بيننا وبينكم لضربت رأسك أي عدو الله.
قال: فذهب فنحاص إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد انظر ما
صنع بي صاحبك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر: (ما حملك
على ما صنعت؟) فقال أبو بكر: يا رسول الله إن عدو الله قال قولاً عظيمًا،
إنه زعم أن الله فقير وأنهم أغنياء، فلما قال ذلك غضبت لله مما قال وضربت
وجهه. فجحد ذلك فنحاص، وقال: ما قلت ذلك، فأنزل الله تعالى فيما قال فنحاص
ردًا عليه وتصديقًا لأبي بكر أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (لَقَدْ سَمِعَ
اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ
أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ
حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) [آل عمران: 181].
ونزل في أبي بكر الصديق رضي الله عنه وما بلغه من الغضب، أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم: (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن
قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا
وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [آل عمران: 186]، ثم
قال فيما قال فنحاص والأحبار معه من يهود، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ
ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ
(187) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ
أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ
مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [آل عمران: 187 - 188].
لقد كان الغضب لا يعرف إلى أبي بكر الوادع سبيلا، إلا حين يرى من يسخر من
دين الله، فيغضب لله لا لذاته، وما من شيء يثير ثائرته أو يهيج غضبه إلا ما
اتصل بعقيدته وبإيمانه الصادق بالله ورسوله كان هذا دأبه، منذ أن أسلم إلى
حين جاوز الخمسين، ثم تولى الخلافة، وغضب على المرتدين ودبر أمر المسلمين.
صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- في جميع غزواته، فشهد بدرًا وأحدًا
والخندق، والمشاهد كلها، ورفع الراية السوداء يوم تبوك.
وكان العرب الذين عرفوا الدول وأحوالها، وجابوا البلاد وأصقاعها في بلاد
فارس والروم والحبشة، واطلعوا على ما فيها من نظام وحضارة، وشؤون حكم عند
كسرى وقيصر والنجاشي، يسمون أبا بكر: وزيره -صلى الله عليه وسلم- لما لمسوه
منه من رأي ومشورة، وما رأوه من مكانه.
لقد وقف بجانب الرسول -صلى الله عليه وسلم- في معركة بدر الكبرى وقال القول
الحسن حين أسند إليه الكلام، ونزل العريش ونظر إلى نبي الله -صلى الله
عليه وسلم- وهو يتضرع إلى ربه بعد أن رأى شيعته القليلة وكثرة المشركين من
قريش.
استمع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يخاطب ربه فيقول: (اللهم أُنشدك
عهدك الذي وعدت، اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم فلا تعبد، اللهم لا تودع
مني ولا تخذلني، أنشدك ما وعدتني). وما زال يدعو ربه مادًا يديه مستقبلاً
القبلة حتى سقط ردائه عن منكبه، فأخذ أبو بكر ردائه وألقاه على منكبه، ثم
التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كفاك تناشد ربك فإنه سينجز لك ما وعدك،
والله لينصرنك الله وليبيضن وجهك.
ويروى عن علي -رضي الله عنه- أنه قال لجمع من الصحابة: أخبروني عن أشجع
الناس؟ قالوا: أنت. قال: أشجع الناس أبو بكر، لما كان يوم بدر جعلنا لرسول
-صلى الله عليه وسلم- عريشا فقلنا: من مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
أي: من يكون معه لئلا يهوي إليه أحد من المشركين، فو الله ما دنا منا أحد
إلا أبو بكر شاهرًا بالسيف على رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يهوي
إليه أحد إلا أهوى إليه، ولما تم النصر للمسلمين في بدر ورجعوا إلى
المدينة، ومعهم أسرى قريش، كان الأسرى يطمعون في العودة إلى مكة وإن غلا
الفداء.
وكانوا يخشون النبي -صلى الله عليه وسلم- من أن يذيقهم بعض ما أذاقوه، فقال
بعضهم لبعض لو بعثنا إلى أبي بكر فإنه أوصل قريش لأرحامنا وأكثرهم رحمة
وعطفا، ولا نعلم أحدا آثر عند محمد منه، وبعثوا إلى أبي بكر فقالوا له: يا
أبا بكر! إن فينا الآباء والإخوان والعمومة وبني العمومة، وأبعدنا قريب،
كلم صاحبنا يمن علينا أو يفادنا، فوعدهم خيرًا، واستشار الرسول -صلى الله
عليه وسلم- أبا بكر وعمر في أمر الأسرى، وفيما هو الأصلح، القتل أم أخذ
الفداء، فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: يا رسول الله! أهلك وقومك، هؤلاء بنو
العم والعشيرة والأخوان، قد أعطاك الله الظفر ونصرك عليهم، أرى أن
تستبقيهم وتأخذ الفداء منهم، فيكون ما أخذنا منهم قوة على الكفار، وعسى
الله أن يهديهم بك، فيكونوا لنا عضدًا، وأشار عمر بقتلهم، ومال النبي -صلى
الله عليه وسلم- لرأي أبي بكر فأخذ الفدية وعفا عنهم، وأطلقهم إلى عشيرتهم
وأهلهم في مكة.




بعد معركة بدر تغيرت الظروف، وشعر المسلمون بقوة دعوتهم فبدأ النبي -صلى
الله عليه وسلم- ينظم سياسته إزاء قريش، وإزاء القبائل المناوئة والمحيطة
بهم، يساعده أبو بكر -رضي الله عنه- ويعمل جاهدًا أضعاف ما كان يعمل في
مكة، بحماية المسلمين، فقد حرك انتصارهم في بدر كوامن الحقد في نفوس اليهود
ومخاوف القبائل المجاورة.
وما هي إلا أيام حتى ظهر ذلك في يهود بني قينقعاع، فأجلاهم النبي -صلى الله
عليه وسلم- عن المدينة، لنقضهم العهود والمواثيق، والتعدي على أعراض
المسلمين، وتتالي الأحداث والمعارك والسرايا وتزحف قريش بخيلائها إلى
المدينة، ويلتقي الجمعان في أحد ويتلقى المسلمون درسا قاسيا في هذه
المعركة، ويحيط أبي بكر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- حفاظًا وخوفًا عليه،
ويصبح أكثر قربًا يرافقه في غدوه ورواحه حتى غدا كالظل أينما حل.
وتشكلت لدى المسلمين قناعة بأن أبا بكر هو الرجل الذي يلي رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- مكانة من نفوسهم وسموًا في تقديرهم.
لم يتوقف اليهود بعد إجلاء بني قينقعاع عن دسائسهم وأحقادهم ومؤامراتهم،
فقد قام يهود بني النضير بمحاولة لقتل النبي -صلى الله عليه وسلم- باءت
بالفشل، فأجلاهم أيضًا عن المدينة.
وفي معركة الخندق شارك يهود بني قريظة الأحزاب في مؤامرة غدر، لاجتفاف شأفة
الإسلام والمسلمين، فانكشفت محاولاتهم وتم إجلائهم، ولم يكن أبو بكر -رضي
الله عنه- في كل ذلك بعيدًا، بل كان الرفيق والصاحب والوزير في جميع هذه
الأحداث، ولم تكن غزوة المريسيع لبني المصطلق، وما رافقها من حديث الإفك
الذي تناول أم المؤمنين عائشة، إلا دليل على حكمة ورزانة وصبر أبي بكر تجاه
ما تناولته الألسن من أحاديث عن ابنته
ابنته السيدة
عائشة -رضي الله عنها- لقد تناولها أقرب الناس، تناولها ابن خال أبيها
فماذا كان موقف أبي بكر من ذلك؟
كان أبو بكر -رضي الله عنه- كريمًا، ينفق على قريبه مصلح بن أثاثة، وهو ابن
خاله، فعندما خاض في تلويث سمعة السيدة عائشة -رضي الله عنها- أقسم أبو
بكر ألا ينفق عليه، ويحرمه من العطاء، فنزلت الآية الكريمة أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم: ( وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ
أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن
يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [النور: 22].
فعاد أبو بكر إلى النفقة عليه، أملاً ورغبة في المغفرة، وبعد ست سنوات من
الهجرة، كان صلح الحديبية فقد خرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأداء
العمرة، وكان يخشى أن تعرض له قريش بحرب أو يصدوه عن البيت الحرام، ولما
وصل عسفان مع صحبه جاءه خبر إعداد قريش العدة لمنعه، فاستشار أصحابه في أن
يغير على من ناصر قريشًا ويعود إلى المدينة.
فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: يا رسول الله خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد
قتل أحد ولا حرب أحد، فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه، فقال رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-: (امضوا على اسم الله).
وبذل الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما في وسعه لإفهام قريش أنه لا يريد
حربًا معهم، وإنما يريد زيارة البيت الحرام وتعظيمه، وهو حق للمسلمين كما
هو حق لغيرهم، وعندما تأكدت قريش من ذلك، أرسلت إليه من يفاوض، وأرسلت قريش
عددًا من السفراء، ورد أبو بكر ردًا قاسيًا على بديل بن ورقاء حين قال
للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إني والله لا أرى وجوهًا وإني لأرى أشوابا من
الناس خليقا أن يفروا ويدعوك، وانتهت المفاوضات إلى إبرام صفقة صلح
الحديبية.
وغضب كثير من المسلمين على بنود العهد ورأوا فيه الدنية، غير أن أبا بكر
صدق وآمن بحكمة النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد نظره ورأيه.
ففي سيرة ابن هشام: فلما التئم الأمر ولم يبقَ إلا الكتاب وثب عمر بن
الخطاب فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر أليس برسول الله؟ قال: بلى، قال: أو
لسنا بمسلمين؟ قال: بلى، قال: أليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي
الدنية في ديننا؟ قال أبو بكر: يا عمر الزم غرزه، أي أمره، فإني أشهد أنه
رسول الله، قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله.
لقد صدق أبو بكر وآمن بحكمة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يرى في
الحديبية ما رآه غيره، ولما نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة وهو عائد،
أيقن المسلمون أن في ذلك فتحًا وليس دنية، وبأن أبا بكر كان الصديق في هذه
أيضًا.
قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا
مُّبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا
تَأَخَّرَ وَيتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيهْدِيَكَ صِرَاطًا
مُّسْتَقِيمًا) [الفتح: 1 - 2]، ثم قال تعالى: ( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ
رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن
شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا
تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ
فَتْحًا قَرِيبًا ) [الفتح: 27]، والفتح القريب هو عهد الحديبية، وقال
النبي -صلى الله عليه وسلم- عن سورة الفتح: (لقد أنزلت عليَّ الليلة سورة
لهي أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس)، وقال عمر متعجبًا: أو فتح هو! فقال له
الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (نعم والذي نفسي بيده إنه لفتح)، لقد كانت
هدنة الحديبية فرصة لتثبيت دعائم الدولة الإسلامية، وللالتفات إلى ما تبقى
من الحاقدين الغادرين من اليهود، الذين وقفوا مع المشركين في غزوة الخندق،
فكانت غزوة خيبر نهاية الوجود اليهودي في المدينة والجزيرة العربية، وحمل
فيها الراية أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم أجمعين.




وخلال الهدنة أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- رسائله إلى الملوك والأمراء
والزعماء يدعوهم للإسلام، كما بعث أبا بكر -رضي الله عنه- بسرية إلى ديار
نجد، إلى بني فزارة، فشن الغارة عليهم، وعاد غانما ومعه أسرى افتداهم
الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأسرى المسلمين.
وبعد عمرة القضاء كانت سرية مؤتة التي استشهد فيها زيد بن حارثة وجعفر بن
أبي طالب وعبد الله بن رواحة، وكان جعفر -رضي الله عنه- قد خلف ورائه زوجه
أسماء بنت عميس الخثعمية، وأولاده منها، الذين ولدوا في الحبشة أيام
الهجرة، وهم: عبد الله، وعون، ومحمد، فلما استشهد تزوج أبو بكر أسماء وحمل
عيالها، وولدت له محمد بن أبي بكر.
ثم كانت سرية ذات السلاسل بإمرة عمرو بن العاص، لتأديب قضاعة التي بدأت
تتجمع لتدنوا من المدينة، فخرج في ثلاثمائة رجل من المهاجرين والأنصار في
السنة الثامنة للهجرة، كما ذكر ابن سعد في طبقاته، وليقضي عليهم في ديارهم،
وأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يستعين ببعض فروع قضاعة من بلي،
وعذرة، وبلقين، لأن أم عمرو من بلي فهم أخواله.
وعندما وصل إلى أرض جذام على ماء السلسل، ورأي أعدادهم وجمعهم أرسل رافع بن
مكيث الجهني إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فأمده بمائتين من المهاجرين
والأنصار، عليهم أبو عبيدة بن الجراح، وفيهم أبو بكر الصديق وعمر رضي الله
عنهم، وشارك أبو بكر في ذات السلاسل وعاد مع الصحب إلى المدينة بعد أن
فرقوا جمع قضاعة.
ونقضت قريش معاهدة صلح الحديبية، ثم خشيت من نتائج ذلك وندمت، فأرسلت أبا
سفيان لتجديد المعاهدة، وحين وصل إلى المدينة بحث عن من يتوسط له عند رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- فاتجه إلى أبي بكر -رضي الله عنه- عله يجد صدرًا
رحبًا، وهو يعلم إن أثر على أبي بكر فقد يكون ذلك ملجأ، إلا أنه لم يجد
أبي بكر إلا الصدود والكلام الذي لم يرضه، فذهب إلى عمر -رضي الله عنه-
فأغلظ عمر له بالقول، فتوسط عليًا وفاطمة وولدها الحسن رضي الله عنهم، وعاد
خائبًا إلى مكة ينتظر القدر المحتوم، وصار النبي -صلى الله عليه وسلم-
بجيش عظيم لفتح مكة والقضاء على الشرك واجتثاث أوصاله.
ودخل النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة ومعه صاحبه أبو بكر، ويروي ابن هشام
في السيرة عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما وقف رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- بذي طوى، قال أبو قحافة لابنة من أصغر ولده: أي بنية اظهري بي على
أبي قبيس، قالت: وقد كف بصره، قالت: فأشرفت به عليه، فقال: أي بنية ماذا
ترين؟ قالت: أرى سوادًا مجتمعًا، قال: تلك الخيل، قالت: وأرى رجلاً يسعى
بين يدي ذلك مقبلاً ومدبرا، قال: أي بنية ذلك الوازع، يعني الذي يأمر الخيل
ويتقدم إليها، ثم قالت: والله لقد انتشر السواد، قالت: فقال: قد والله إذن
دفعت الخيل، فاسعي بي إلى بيتي فانحطت به، وتلقاه الخيل قبل أن يصل إلى
بيته.
قالت وفي عنق الجارية طوق من ورق أي فضة فتلقاها رجل فيقتطعه من عنقها،
قالت فلما دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة ودخل المسجد أتى أبو بكر
بأبيه يقوده، فلما رآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (هلا تركت
الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه)، قال أبو بكر: يا رسول الله هو أحق
أن يمشي إليك من أن تمشي إليه أنت، فأجلسه بين يديه ثم مسح صدره ثم قال له:
(أسلم) فأسلم، قالت: فدخل به أبو بكر وكأن رأسه ثغامة، أي كله شيب، فقال
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (غيروا هذا من شعره) ثم قام أبو بكر فأخذ
بيد أخته.
ويروى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هنأ أبا بكر بإسلام أبيه، ونرى في
هذه الصورة إكرام وتقدير النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر ومدى القدر
الذي يحمله.
وأقام الرسول -صلى الله عليه وسلم- تسعة عشر يومًا في مكة، وجاءت هوازن
وثقيف ونزلوا بحنين يريدون قتال النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد جمعوا جيشا
عظيما وحشدوا كل ما لديهم، وكان يقودهم مالك بن عوف النصري، ومعهم غطفان،
وخرج الرسول -عليه الصلاة والسلام- لملاقاتهم يرافقه أبو بكر والصحابة بجيش
كبير، وكانت معركة قاسية انتهت بالنصر للمسلمين، وكذلك كانت معارك الطائف
التي استخدم فيها المسلمون المجانيق لأول مرة، وعاد بعدها إلى الجعرانة.
بعد فتح مكة وحنين والطائف وعودة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة،
كانت غزوة تبوك في السنة التاسعة للهجرة إلى أرض الشام، ولم يتخلف أبو بكر
عنه في جميع غزواته، فخرج معه وعاد دون أن يكون صدام أو قتال، وتألق نور
الإسلام، وأشرق على الجزيرة العربية مبشرًا بحياةٍ ومجتمعٍ يسوده الرخاء
والحق والعدل والخير.
وتمر الأيام ويأذن الله للمسلمين بأن يتموا فرائض دينهم، والحج تمام هذه
الفروض، إلا أن توافد الوفود على المدينة لم يتح للنبي -صلى الله عليه
وسلم- الغدو إلى بيت الله الحرام، فأمّر أبا بكر -رضي الله عنه- أن يحج
بالناس، فخرج في العام التاسع للهجرة إلى مكة ومعه ثلاثمائة من الصحابة،
وعندما فصل ركب الحجاج عن المدينة وفي الطريق، نزلت على النبي -صلى الله
عليه وسلم- سورة براءة، فبعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه بصدرها ليعلنها
على الناس في يوم النحر بمنى، وقال: (لا يؤدي عني إلا رجلٌ من أهل بيتي)،
وعندما رأي أبو بكر عليا قال له: أأمير أم مأمور؟ فقال: بل مأمور، ثم مضيا.
وكان رهط من الصحابة منهم أبو هريرة يساعد عليا في النداء بآيات براءة
المطلوب تبليغها للناس ويعلنون في الناس أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم-
(أن لا يدخل الجنة إلا مؤمن ولا يطوف بالبيت عريان فمن كان بينه وبين رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- عهد فإن أجله أو أمده إلى أربعة أشهر، فإذا مضت
أربعة الأشهر فإن الله برئ من المشركين ورسوله، ولا يحج البيت بعد العام
مشرك).
وعاد أبو بكر بعد الحج إلى المدينة ليشهد الأحداث مع رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-، إذ أرسل بعوثًا إلى اليمن، وسرية إلى ذي الخلصة، فلما كان
العام العاشر توجه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى مكة ليحج الحجة الوحيدة،
التي حجها من المدينة، حجة الوداع، التي ودع الناس فيها ولم يحج بعدها،
حجة البلاغ وتمام الدين، (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت
لكم الإسلام دينا).
حجة كان فيها أبو بكر -رضي الله عنه- للنبي مصاحبًا وهو يسمع البلاغ،
فيتفطر قلبه هلعًا وخوفًا وحبًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يستمع
إليه وهو يخطب في تلك الحجة فيقول: (ويحكم انظروا لا ترجعوا بعدي كفارا
يضرب بعضكم رقاب بعض، احضروا أيها الناس، إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم
به فلن تضلوا أبدًا كتاب الله وسنة نبيه، إن كل مسلم أخو المسلم، المسلمون
إخوة ولا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه من طيب نفس).
لقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلمين من أن يعودوا كفارًا يضرب
بعضهم رقاب بعض، ولكأنما كان يشعر ويخاف من أن يرتد الناس عن دينه بعد
موته، وتلك هي قاصمة الظهر التي تصدى لها صاحبه في الغار وخليفته، حين أزفت
الأزفة واستعصى الأمر.
عشر سنوات مرت على الهجرة، عاد فيها الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- من
حجته إلى المدينة مع أصحابه، ليجهز إلى بلاد الروم، تحت إمرة فتى يافع لم
يتجاوز الثامنة عشرة، جيشًا يضم كبار الصحابة، فيباغته المرض لينتقل إلى
الرفيق الأعلى.
عشر سنوات مضت وأبو بكر -رضي الله عنه- خير صاحب ورفيق ووزير، عشر سنوات
مرت على أبي بكر في المدينة لاقى فيها ما لاقى من أحداث وحروب، وبناء دولة
وشئون مجتمع، ولما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء سراعًا من بيته
بالسنح، فكشف عن وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قبله وبكى قائلاً: بأبي
أنت وأمي لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتب عليك فقد متها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جاسمين
مديرة الموقع
مديرة الموقع
جاسمين


أبو بكر الصديق رضى الله عنه VfR37503
أبو بكر الصديق رضى الله عنه 910

أبو بكر الصديق رضى الله عنه S15

أبو بكر الصديق رضى الله عنه 38675593
مصر
انثى عدد المساهمات : 3005
تاريخ التسجيل : 02/02/2010

أبو بكر الصديق رضى الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو بكر الصديق رضى الله عنه   أبو بكر الصديق رضى الله عنه Emptyالأحد 28 فبراير 2010, 20:42

في السنة
الحادية عشرة للهجرة، وفي الثاني عشر من شهر ربيع الأول، يوم الاثنين ساعة
الضحى، والتي توافق السابع من حزيران يونيو سنة اثنتين وثلاثين وستمائة من
ميلاد السيد المسيح -عليه السلام- انتقل النبي محمد صلى الله عليه وآله إلى
الرفيق الأعلى، بعد ثلاث وستين سنة، قضى منها ثلاثًا وعشرين سنة في الدعوة
وتبليغ الرسالة، وكان قبل يوم من وفاته قد أعتق غلمانه، وتصدق بدنانير
كانت عنده وقال: (لا نورث ما تركنا صدقة).
وفي رواية قال: (لا يقتسم ورثتي دينارًا، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤونة
عاملي فهو صدقة).
وكان لما ثقل عليه المرض ولم يستطع الخروج ليصلي بالناس قال: (مروا أبا
بكرٍ أن يصلي بالناس).
وحين مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقف أبو بكر في المسجد بين الناس
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أيها الناس... إنه من كان يعبد محمدًا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله
فإن الله حي لا يموت، ثم تلا هذه الآية: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ
قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ
انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن
يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران:
144].
انتقل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الدار الآخرة، بعد أن بلغ الرسالة،
وأدى الأمانة، ونشر الدعوة في بلاد العرب، وجاءته القبائل على قدرٍ وفودًا
وفودًا، وغدت الجزيرة العربية من اليمن إلى حدود فارس والروم تدين
بالإسلام، وأصبح العرب في دولة واحدة، كما تطلع النبي الكريم إلى خارج حدود
الجزيرة العربية، فكانت رسائله إلى الملوك، إشارة تبليغ بقدوم دين جديد،
يحمل العدل والخير للإنسان، بدل الظلم والذل والعبودية والهوان، ولم تكن
تلك الدول ضعيفة، بل كانت في أوج عظمتها، فمنهم من هزئ بكتابه وأمر بقتله،
ومنهم من أرسل له الهدايا وشعر بعظمته.
وكانت بلاد فارس في شمال شرق بلاد العرب دولة بأس وقوة وسلطان ونظام، يقوم
على رأسها ملك مرهوب الجانب، يسميه العرب كسرى، وهي كلمة معربة من كلمة
خسرف الفارسية التي تعني الملك، ويعاونه وزير يقال له الدوستفار، وهي كلمة
فارسية، تعني صاحب النظام، ومنها تولدت كلمة الدستور، أي النظام أو
القانون.
وتمتد إمبراطورية فارس في ذلك الوقت فوق هضبة إيران حتى نهر الميرجاب
شرقًا، وعاصمتهم المدائن طيشفون على نهر دجلة في بلاد العراق، ويدينون
بالزرادشتية والمانوية، ويعبدون النار، ويطلق العرب عليهم اسم المجوس
ويعتبر جيشهم من أعظم الجيوش، فيه فرقة فرسان عظيمة الشأن، وفرقة مشاة قوية
البأس، ويستخدمون في حروبهم الفيلة، وكان العرب اللخميون المناذرة، والذين
يسكنون جنوب شرق العراق وعاصمتهم الحيرة، تحت نفوذهم وسلطانهم.
وأيام بعثة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- سنة عشر وستمائة ميلادية،
اجتاح جيش الفرس بلاد الشام ومصر، وهزموا البيزنطيين سنة ثلاث عشرة وستمائة
ميلادية عند أنطاكية، واستولوا على فلسطين والقدس سنة أربع عشرة وستمائة،
ودخلوا الإسكندرية سنة ثماني عشرة وستمائة، وإلى ذلك أشار القرآن العظيم في
سورته الثلاثين فقال تعالى: (الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى
الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ
سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيوْمَئِذٍ يَفْرَحُ
الْمُؤْمِنُونَ) [الروم: 1: 4].
وفي الجهة الأخرى من شمال غرب الجزيرة العربية كانت تقوم دولة "الروم"، وهي
دولة قوية عظيمة يمتد سلطانها إلى بلاد الشام وفلسطين ومصر، ويوالونهم
العرب الغساسنة، الذين يستظلون بحمايتهم ورعايتهم، ويسكنون الأرض الممتدة
من الأردن حتى دمشق.
وبالرغم من هزيمتهم أمام الفرس فقد بشر القرآن العظيم بانتصارهم في بضع
سنين، وتلك من معجزات الكتاب الذي لا يأتيه الباطل، فقد قاتل هرقل الفرس
وهزمهم سنة سبع وعشرين وستمائة قرب نينوى، واسترد أراضي إرمينية والشام
وفلسطين ومصر، واستعاد بيت المقدس سنة ثلاثين وستمائة ميلادية، تلك هي حال
الجزيرة العربية، وما جاورها من أحداث شغلت القوى العظمى فارس والروم، من
يوم مبعث النبي صلى الله عليه وآله إلى يوم قبض.
وما إن توفي حتى سرى نبأ وفاته بسرعة البرق في بلاد العرب، ولم تكن دعائم
الدولة الإسلامية الفتية قد استقرت بعد، ولم يكن الدين الجديد قد تمكن في
قلوب أبناء القبائل النائية كتمكنه في قلوب الصحابة من المهاجرين والأنصار،
فتململت النفوس لخضوعها لسلطان المدينة، حتى أن أهل مكة هموا بشق عصا
الطاعة والتمرد والردة، لولا أن وقف فيهم سهيل بن عمرو على باب الكعبة
قائلاً: من رابنا ضربنا عنقه.




وصاح بهم: يا أهل مكة لا تكونوا آخر من أسلم وأول من ارتد، والله ليتمن
الله هذا الأمر كما ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلقد رأيته قائمًا
مقامي هذا وحده، وهو يقول: (قولوا معي لا إله إلا الله، تدين لكم العرب،
وتؤدي إليكم الأعاجم الجزية، والله لتنفقن كنوز كسرى وقيصر في سبيل الله)،
فمن بين مستهزئ ومصدق فكان ما رأيتم، والله ليكونن الباقي. فكفوا عن
عصيانهم والردة.
وكذلك كان أمر سقيف فخاطبهم عثمان بن أبي العاص، وثبتت القبائل المقيمة بين
مكة والمدينة والطائف ثبتت مزينة، وغفار، وجهينة، وأشجع، وأسلم، وخزاعة.
واضطربت القبائل البعيدة والحديثة العهد بالإسلام، وكان أن ظهر أدعياء
النبوة، كطليحة في بني أسد، وسجاح في بني تميم، ومسيلمة في اليمامة، وذي
التاج لقيط بن مالك في عمان، والأسود بن عنزة العنسي في اليمن، الذي امتد
خطره إلى مناطق واسعة في الجزيرة العربية، ودانت له البوادي والحواضر، ما
بين مفازة حضرموت إلى الطائف والبحرين والإحساء إلى عدن, وانضم إليه كثير
من أهل نجران، وساروا معه إلى صنعاء، وقُتل الأسود قبل وفاة النبي -صلى
الله عليه وسلم- بأيام.
وفي الطبري، أنه أوحي للنبي ذلك ليلة حدوثه فقال: (قتل العنسي، قتله رجل
مبارك من أهل بيت مباركين).
وفي الكامل لابن الأثير، قال فيروز: لما قتلنا الأسود عاد أمرنا كما كان
إلى معاذ بن جبل، فصلى بنا ونحن راجون مأملون، لم يبقى شيء نكرهه، إلا تلك
الخيول من أصحاب الأسود، ثم جاء موت النبي -صلى الله عليه وسلم- فانتقضت
الأمور واضطربت الأرض، ويعود الأسود إلى عنس وهي بطن من مذحج، واسمه عبهلة
بن كعب بن عوف، وكان يلقب ذا الخمار لأنه كان معتما متخمرا أبدا، وكان
مشعبذا كاهنا يحتال ويستهوي العامة بأقواله، ولقب نفسه رحمان اليمن، وكان
يزعم أن له شيطانا يخبره بكل شيء، ويكشف له خطط أعدائه.
وأما طليحة بن خويلد الأسدي، فقد تنبأ في حياة رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- في بني أسد، ووجه إليه النبي -عليه الصلاة والسلام- ضرار بن الأزور،
فقاتله وضربه بالسيف، فلم يؤثر فيه، وكان ذلك سببًا بين الناس للاعتقاد به،
فالسلاح لا يعمل فيه، فكثر جمعه، وكان طليحة يقول: إن جبرائيل يأتيني،
وسجع للناس الأكاذيب، وكان يأمرهم بترك السجود في الصلاة ويقول: اذكروا
الله أعفة قيامًا، وتبعه كثير من العرب عصبية، فكان أكثرهم من أسد وغطفان
وطيء.
وأما مسيلمة فكان قد جاء مع وفد بن حنيفة، وقد أكرمهم النبي -صلى الله عليه
وسلم- وأعطاهم العطايا، وعادوا إلى ديارهم، ثم أرسل مسيلمة رسولين إلى
المدينة يحملان كتابا فيه: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله سلام
عليكم أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك، وإن لنا لنصف الأرض، ولقريش نصف
الأرض، ولكن قريشا قوم لا يعدلون.
وسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- الرسولين حين سمع الكتاب: (فما تقولان؟)،
قالا: نقول كما قال، فنظر إليهما -صلى الله عليه وسلم- مغضبًا قائلاً:
(أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما)، ثم أرسل معهما كتابا
فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، أما
بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده المتقين).
وقدر النبي -صلى الله عليه وسلم- خطورة دعوة مسيلمة، فما لبث أن أرسل
الرحال بن عنفوة من المسلمين الذين تفقهوا في الدين، ليقطع دابر الفتنة
ويظهر كذب مسيلمة، وكانت الفتنة أعظم حين انضم الرحال إلى مسيلمة وصدقه على
ما يقول، واضطرمت نار الشعوذة وازداد مسيلمة نفوذا وازداد ادعائه انتشارا.





وكانت غزوة تبوك بداية لمناوشة القوى العظمى وإظهارًا للدعوة الإسلامية وما
ستحمله في مستقبل القريب من حرية للشعوب المظلومة المستضعفة، إلا أن لكل
أجل كتاب، فقد استأثر الله بنبيه -صلى الله عليه وسلم- وقد أكمل دينه وأتم
نعمته كما قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة:
3].
وسرعان ما أسرع الأنصار في المدينة لعقد اجتماع يولون فيه أمرهم وأمر
المسلمين، فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، وأنظارهم تتجه إلى سعد بن عبادة
وهو يقول: يا معشر الأنصار، إن لكم لسابقة في الدين، وفضيلة في الإسلام،
ليست لقبيلة من العرب، إن محمدًا -عليه السلام- لبث بضع عشر سنة في قومه
يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد والأوثان، فما آمن به من قومه إلا
رجال قليل، وما كانوا يقدرون أن يمنعوا رسول الله ولا أن يعزوا دينه، ولا
أين يدفعوا عن أنفسهم ضيما عموا به، فلما أراد لكم ربكم الفضيلة، ساق إليكم
الكرامة وخصكم بالنعمة، فرزقكم الله الإيمان به وبرسوله، والمنع له
ولأصحابه، والإعزاز له ولدينه، والجهاد له لأعدائه فكنتم أشد الناس على
عدوه منكم، وأثقله على عدوه من غيركم، حتى استقامت العرب لأمر الله طوعًا
وكرهًا، وأعطى البعيد المقادة صاغرًا داخرًا، وحتى أثخن الله -عز وجل-
لرسوله بكم الأرض، ودانت بأسيافكم له العرب، وتوفاه الله وهو عنكم راض،
وبكم قرير عين، فاستبدوا بهذا الأمر دون الناس، فإنه لكم دون الناس.
وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قد أيقن بوفاة النبي -عليه السلام- يفكر
فيما عسى أن يكون الأمر من بعده، ولم يكن يدري أن الأنصار قد سبقوه، ففي
طبقات ابن سعد أتى عمر أبا عبيدة بن الجراح فقال: ابسط يدك فلأبايعك، فأنت
أمين هذه الأمة على لسان رسول الله، فقال أبو عبيدة لعمر: ما رأيت لك
فَهَّةً، أي سقطة، قبلها منذ أسلمت، أتبايعني وفيكم الصديق وثاني اثنين.
ويأتي خبر اجتماع الأنصار في السقيفة فيسرع عمر طالبًا أبا بكر وهو منشغل
بجهاز رسول الله ويلح عليه ليخبره، وينطلق الثلاثة أبو بكر وأبو عبيدة
وعمر، ويبلغون السقيفة والأنصار في حوارهم لم يبايعوا بعد سعدا فأسقط في
أيديهم، وفي الكامل لابن الأثير قال عمر: فأتيناهم وقد كنت زورت كلاما
أقوله لهم، فلما دنوت أقول أسكتني أبو بكر وتكلم بكل ما أردت أن أقول، فحمد
الله وقال:
إن الله قد بعث فينا رسولاً شهيدًا على أمته ليعبدوه ويوحدوه، وهم يعبدون
من دونه آلهة شتى من حجر وخشب، فعظم على العرب أن يتركوا دين أبائهم، فخص
الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه، والمواساة له والصبر معه على شدة
أذى قومهم لهم، وتكذيبهم إياه، وكل الناس لهم مخالف زارٍ عليهم، فلم
يستوحشوا لقلة عددهم وشنف الناس لهم، فهم أول من عبد الله في هذه الأرض،
وآمن بالله وبالرسول، وهم أوليائه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من بعده،
لا ينازعهم إلا ظالم، وأنتم يا معشر الأنصار من لا ينكر فضلهم في الدين ولا
سابقتهم في الإسلام، رضيكم الله أنصارًا لدينه ورسوله، وجعل إليكم هجرته،
فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا بمنزلتكم، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء،
لا تفاوتون بمشورة ولا تقضى دونكم الأمور
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أبو بكر الصديق رضى الله عنه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» نصائح السول صلى الله عليه وسلم للسيده فاطمه رضى الله عنها..................
» هل تريد ان يغفر الله لك وأن يستجيب دعاءك يسير بإذن الله
» أنس بن مالك (رضى الله عنه)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى بستان الحب :: الأقسام الإسلامية :: بستان الشخصيات الإسلامية والبطولات التاريخية-
انتقل الى: